الشخصية الروائية وكيفية كتابتها

الشخصية الروائية وكيفية كتابتها

لعلنا نستطيع الاتفاق على أن من أهم العوامل التي تجعلك مشدوداً لروايةً ما ومنغمساً في أحداثها بشغف هو تلك الشخصيات التي تتبع رحلتها في ثنايا القصة التي بين يديك. من أكثر الأشياء التي يجب أن تركز فيها أثناء كتابتك لروايتك هي تطوير شخصياتها بشكل مقنع ويجذب القارئ وهي أحد الركائز الأساسية من مهامك كروائي.

كيف أطور شخصية مثيرة للاهتمام في روايتي:

عند كتابة الشخصية خصوصاً الشخصيات المحورية في روايتك لا سيما الشخصية الرئيسية، هناك عدة نقاط يجب أخذها بعين الاعتبار ويجب عليك إيجاد إجابات لها كما يلي:                   

أولا ما هو مسار الشخصية التصاعدي في الرواية بمعنى، هل هو إيجابي، سلبي أم ينتهي نفس ما بدأ؟ ايضاً، ما هو هدفها الرئيسي في الرواية الذي تسعى له؟كذلك ماهي مخاوف شخصيتك التي تتهرب منها وتحاول تجنب الألم من معايشتها وماهي رغبتها الدفينة التي تقبع في أعماق روحها والأهم ما هو الصراع الداخلي الذي تعيشه بسبب التعارض بين هذين الشيئين؟ بالإضافة إلى تحديد ما هو الصراع الخارجي أو الحبكة الخاصة بها والتي يجب أن تكون ذات علاقة بالحبكة الرئيسية للقصة وتدفعها قدماً.

للتوضيح أكثر وايصال الفكرة بشكل أفضل، لنأخذ مثالاُ تطبيقياً ولنجاوب على الأسئلة السابقة وفقاً له. على سبيل المثال هيا بنا نتعمق في شخصية ميتانو في روايتي “يعربية” ولنجاوب على الأسئلة المذكورة أعلاه، من هو ميتانو؟ ميتانو هو رجل من قبيلة الأغراب، تلتقيه البطلة حٌلم ليغدو جزءاً رئيسياً من حكايتها وبها يكون حقق الشرط الذي ذكرناه وهو أن تكون حبكته الخاصة ذات علاقة بالحبكة الرئيسية للقصة وتدفعها قدما.

ميتانو يتمحور وجوده حول حبيبته “ميناتا” والتي بسببها يلتقي بحلم ليصبح مديناً لها بحياته وهو ما يتجلى في الأحداث المتتابعة بالرواية وما يحكم تصرفات ميتانو فيها. لنعود للسؤال الأهم وهو ما مسار شخصيته وما هدفها الرئيسي بالقصة؟ ميتانو مسار شخصيته هو مسار ثابت لا يتغير طوال الرواية وهدفه الرئيسي في القصة بعد الهدف المبدئي فيها هو أن يسدد دينه المعنوي لحلم بأي شكل.

بالنسبة لمخاوفه، فهي تتمحور حول عدم قدرته على حماية من يحب ورغبته الدفينة هو حمايتهم بكل ما أوتي من قوة والصراع الذي يحصل له في الرواية هو في التوفيق بين هذين الشيئين. الحبكة الخارجية في الرواية مرتبطة بكل ما سبق وستفهم أكثر ما أن تُقرأ تفاصيل الرواية بتمعن.

ولكن كيف يمكنني عمل هذا كله؟!

الآن السؤال المنطقي التالي الذي أسمعك تغمغم به لنفسك “ولكن كيف بحق الله أفعل كل هذا؟!” وها انا هنا يا صديقي العزيز لأقول لك الامر ليس سهلاً ولكنه أيضاً ليس مستحيلاً فأعرني انتباهك للحظات إذ أني سأحدثك عن بعض من الخطوات التي اتبعتها في عملي على تطوير شخصية ميتانو كما غيره من شخصيات رواياتي وأرجو أن تساعدك أنت أيضاً في رحلتك الروائية.

 أولاً: طور المعلومات السابقة تدريجياً عن شخصيتك وأكتبها وحاول فهم الرابط بينها بشكل منطقي.

ثانياً استخدم ما استطعت من مراجع ككتاب جيمس سكوت بيل “أكتب روايتك من المنتصف” كما كتابه الأخر الرائع “الحبكة والهيكل”، بالإضافة إلى أحد مراجعي الأخرى المهمة والمفضلة لدي وهو “المشهد والهيكل” لجاك بيكهام. هناك أيضا العديد من المراجع الأخرى التي أفضل استخدامها مراراً عند كتابة رواياتي والتي تناقش مختلف نواحي كتابة الرواية ولكن سأتركها لمقال لاحق مخصص لهذا الموضوع.

ثالثاً، لا تكبح جماح شخصيتك إن هي رفضت الانصياع لرغباتك وتخطيطك السابق للرواية وأعطها كامل الحرية في التصرف كما تريد (صدقني لقد فعلت ذلك عدة شخصيات معي غير مرة فلا تتفاجأ إن حصل ذلك معك) ثم قم أنت بتطوير الحبكة تباعاً لتتماشى الأحداث مع تطور الشخصية وتقدم مسار روايتك.

أخيراً، تذكر بأنك تقوم بعمل إبداعي ولا توجد قيود أو شروط على ما تريد ما دمت تفهم قواعد بناء الشخصية وتتبعها، أو حتى تفضل كسر هذه القواعد بعد معرفتها إن كان ذلك ما ترغب به ويتوافق مع رؤيتك لعملك الإبداعي الفريد، وما دمت تفهم الغرض من وجود هذه الشخصية في روايتك بادئ ذي بدء وتحرص على عدم الحشو الغير مبرر والذي يضعف روايتك فأنت على الطريق الصحيح.

 كما يجب أن تدرك تماماً بان لكل رواية جوها الخاص وعملية كتابتها الفريدة من نوعها فهذا ما حصل معي إذ أن رحلة كتابتي لروايتي الأولى “يعربية” أخذت مني ما يقارب العشر سنوات من التعلم والكتابة والمراجعة وأخيراً النشر بينما أخذت مني روايتي الثانية “ميثاق” (واللتان يمكنك شرائهما من موقعي هذا) ما يزيد قليلاً عن السنة وقد تتساءل كيف انتقلت من مدة عشر سنوات إلى ما يزيد قليلاً عن السنة بين كتابة روايتين؟!

لكن لا تشغل بالك بذلك الآن فتلك قصةٌ أخرى يا عزيزي سأحكيها لك لاحقاً أعدك، ولكن ما يهم الآن هو ما كنت أتحدث عنه من ناحية أن لكل رواية عمليتها الخاصة بها من ناحية كتابتها وتطويرها إذ أني حالياً أقبع على كتابة روايتي الثالثة والتي أؤكد لك بانها لا تماثل في طريق كتابتها روايتيّ السابقتين لذا تذكر بأن اسلوبك في الكتابة كما قدراتك فيها يتطوران باستمرار مع كل رواية تشرع فيها فرفقاً بنفسك واستمر بالكتابة مهما حصل فذلك ما يهم حقاً.

دمتم بود،                                                                                                     

حنان أحمد                                                                                                   


2 Comments

  1. ماشاء الله تبارك الله
    استاذة حنان
    استفدت كثيرا من هذا المقال الرائع
    وفقك الله

    1. أسعدني كثيرًا أنك وجدت المقال ذا فائدة كبيرة لك وأتمنى أن تجد في هذه المدونة الكثير من الفائدة في المقالات الأخرى والمستقبلية بإذن الله وأشكر مرورك استاذ عبدالعزيز.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *