هل نحتاج للروايات في حياتنا؟

هل نحتاج للروايات في حياتنا؟

هناك جدل قائم بين من يرى أنه لا قيمة حقيقية تعود على القارئ بقراءته للروايات وبين النقيض على الطرف الأخر الذي يجادل أساس هذه الفكرة ويرى بأن للروايات وقراءتها مردود حقيقي على ثقافة الشخص بل ونظرته للحياة.                                                                      

بما أني مهتمة بمحتوى هذا النقاش فقد قررت أن اجلس مع شخصين يمثلان كلا الرؤيتين وأناقشهما لأتعلم أكثر وأصل لقناعة، عن كامل اقتناع ودراية، بخصوص هذا الموضوع. أولا، لنقف للحظات ولنستمع لرأي “مثقف” وهو الممثل الذي قررت مقابلته من الفئة الأولى لأخذ مرئياته بخصوص هذا الموضوع بينما يجلس قبالته “مبدع” وهو ممثل الرأي الأخر ويحمل قناعات مغايرة تماماً لمثقف والذي يرى ويجادل بأنه لا توجد قيمة حقيقية يستفيد منها القارئ الكريم بكثرة قراءته للروايات.

يرى مثقف بأنه لكي يطور الشخص مهارته اللغوية وأفكاره التي تقطن ثنايا عقله فإنه لا بد له من التركيز على الكتب التي يحب أن يسميها بالجادة والتي تتناول مواضيع علمية أو حتى أدبية بشكل منهجي موضوعي لا يوجد فيها مساحة ولو صغيرة للخيال. في النهاية، مثقف يرى بأن الشخص هو ما يقرأ فإن هو قرأ فقط روايات خيالية لا تمت للواقع المعاش بصلة، فإنه فقط لا يفعل شيئاً إلا تضييع وقته والتهرب الفج من واقعه بدلاً من مواجهته.                                                 

“ولكن سيد مثقف وأعذرني على المقاطعة، ألا ترى بأن تسفيه الروايات بهذا الشكل فيه شيء من الإجحاف بالإضافة إلى…” قاطعني مثقف وهو يقول وهو يشير بيده في عدم اهتمام “كلا كلا بل على العكس، هذا ما يهمني بالضبط وهو إنقاذ ضحايا الخيال المحض من ظلالهم الفكري وتيهيهم الثقافي كما وأن…”. 

هنا، قاطع “مبدع” كلام مثقف مما جعل الأخير يرفع نظارته السميكة مربعة الشكل بإبهامه، دلالةً على امتعاضه، ومبدع يكمل في حماس “ولكن إن نحن هجرنا أرض الخيال ومرتع الأحلام فكيف لنا أن نسمي ما نعيشه حياة؟! إن هبة الخالق لنا التي نتفرد بها عن بقية مخلوقاته التي لا نحصي لها عدداً، وهي الخيال، لهو شيء ثمين بل وثمين جداً فكيف لنا نحن معشر البشر أن نعامله بمثل هذا الجحود والنكران؟!”.                                                                          

قال مثقف وهو يميل بجسده للأمام وينظر من فوق نظارته السميكة التي نزلت قليلاً لتكشف عن عينين قد ضاقتا في استنكار واضح لكلام مبدع ليقول بصوت شد كلماته حتى كاد أن يخنقها في تأكيد حريص على إيصال فكرته لهذا التائه المسكين في عالم الخيال “أتقول لي بأنه من المفروض أن نترك جدية الأفكار ومنطقيتها ونركنها جانباً وان نسلم عقولنا لأضغاث أحلام وأفكار شخص أخر؟! أي قول منكر هو هذا يا فتى؟”.                                       

رد مبدع بابتسامة واسعة وقد أعتدل واقفاً في سرعة وهو يمشي أمامي أنا ومثقف ملوحاً بيده في حماس “أتعني بانك لا تجد متعة في السير في دهاليز قصة ما وأنت تنظر بعيني بطلها أو بطلتها يمنةً ويسرة مستكشفاً عالماً خلق من اللاشيء فقط من أجلك وأنت تحبس أنفاسك مترقباً لما يمكن أن يحدث تالياً وأنت تريد أن تصرخ ببطل روايتك بأن لا يسير في ذلك الممر الذي تدرك بأنه يحمل في ثناياه خطراً جسيماً؟ أتدرك ما تقول يا مثقف؟ أنت ترمي بتجربة إنسانية مفعمة بالأحاسيس كما الدروس العميقة في القمامة قبل حتى أن تعطيها فرصة و…”.

“ذلك هراء! أنت ستصبح مجرد شخص سخيف ضحل التفكير إن لم يكن عديمه وأنت تفكر بخيالك طوال الوقت كما وأن…”.

“بل أنت من يعيش في سجن عقلي أسواره من صنعك ومحاط بحدود ضيقة كئيبة من المنطق فقط بينما تناديك حرية الأفكار والخيال لتلقي لك بمفتاح زنزانتك عند قدميك لتحرر نفسك وتنطلق في هذا الكون الجميل الشاسع بلا حدود و…”.                                                                     

“كفاك فأنت تثير أعصابي بمفرداتك ناهيك عن مقصدك وأنت…”.                                           

“أي عيش ضيق تركن إليه يا هذا وأنت بمثل هذا التفكير بل أكاد أقسم أنك لم تسمح لنفسك بأن تحلم وتسرح في خيالك حتى في نومك كما وأنك تحرم نفسك من أبسط أبجديات مباهج الحياة و…”.                                                                                                         

“كفاكما” هتفت بها وان أحول بين الإثنين اللذان فعلياً كانا على وشك الأخذ بخناق بعضهما البعض لأقول لهما بهدوء بعد أن أخذت نفساً عميقاً وزفرته ببطء وأن أنقل بصري بينهما “أنَ لنا أن نعيش بدون خيال” قلتها وأن انظر لعيني مثقف الذي ارتسمت أمارات عدم الرضى على وجهه على عكس رفيقه الذي عقد يديه أمام صدره في انتصار لألتفت إليه وأكمل “وكيف لنا أن نفهم الكون بلا قراءة جدية عميقة لما يحويه من أسرار” لتختفي ملامح النصر عن وجه مبدع وهو يهم بالاعتراض وابتسامة شامته ترتسم على وجه مثقف لأقول لهما مشيرةً إليهما بالصمت “التوازن هو المطلوب ألا توافقانني؟”.                                                                         

ظل الاثنان ينظران لبعضهما البعض للحظات وهما يتفكران في كلامي بينما فرغ صبري منهما لأقرر بأن أنهي النقاش معهما وأوجه السؤال لك عزيزي القاري وأسألك “ما رأيك، ألا ترى أن للروايات أهمية في حياتنا كما للقراءة الرصينة (كما يحب أن يسميها البعض) أهميتها هي أيضاً؟” أرغب بسماع ما لديك فلا تتردد في مشاركتي رأيك تحت هذا المقال وإلى مقال أخر في القريب العاجل ودمتم بود.

حنان أحمد                                                                                                                


مقالات مشابهة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *