هل من المجدي حقًا أن أصبح روائيًا؟

لدي اعتراف مهم يجب أن أعترف به لك يا صديقي فاعرني أذنك لو سمحت. منذ عام 2014 ولحد الآن لا زلت أبحر في بحر هذه الحياة وأنا أحمل في يدي حلمي بأن أصبح روائية حقيقية بأعمال منشورة إلا أن صراعي المستمر لحد هذه اللحظة يكمن في تقبلي، كما تقبل من حولي لسببٍ ما، واعتناقي الكلي والتام لفكرة إمكانية أن أصبح روائية بشكل كامل وهو حلمي وأسلوب الحياة الذي أرغب بأن يصبح واقعي قريبًا بإذن الله كما أتمنى وأطمح. 

حلم الكتابة يواجه الواقع:

لكن، عودةً لأرض الواقع، أنا أعمل في وظيفة أخرى حاليًا ولدي التزامات حياتية مختلفة كما أجزم بأن هذا هو وضع كل من يقرأ كلماتي هذه وبالتالي، تخصيص الوقت الكافي للعمل على مهاراتك الكتابية من تطوير حبكة شيقة وبناء شخصيات ملهمة لروايتك مع التركيز على باقي العناصر المهمة التي يتضمنها العمل على كتابة رواية ونشرها، كل هذا لهو شيءٌ ليس بالسهل أو الممكن بشكلٍ مباشر لا عراقيل فيه لأكون صريحة معك بل يتطلب الكثير من الوقت والجهد والحضور الذهني كما الروحي. 

 الرواية بنظري هي رحلة تقوم فيها بأخذ أجزاء متفرقة من روحك ومنظورك الفريد للحياة بناءً على كل التجارب التي رأيتها بنفسك إما لأشخاص تعرفهم أو مررت بها شخصيًا ووضعها بكل حب في يد القاري وأنت تأمل أن يقدر ما كتب وأن يكون لما كتبت الأثر الذي تبغيه من سطر كلماتك تلك التي وضعت فيها عصارة قلبك بكل إخلاص وتفاني.  

التحديات والتضحيات:

كل هذا كما ذكرت يتطلب منك الكثير من التضحية من وقتك وجهدك، بل حتى مواردك الشخصية، على الأقل في حالتي حينما قررت أن أنشر أعمالي بنفسي وأن أدخل عالم النشر الذاتي وهذا ما سأناقشه قريبًا في مقال منفصل، وهذا بالتأكيد ليس بالشيء اليسير ناهيك على أن يكون متاحًا للجميع. 

 الحياة لا تنفك عن مفاجأتنا بكل ما في جعبتها من أحداث غير متوقعة وأحيانًا من ظروف معينة تستلزم منك تأجيل أحلامك لكي تضمن لقمة عيشك وتستطيع الإيفاء باحتياجات الأشخاص المسؤولين منك في هذه الدنيا من عائلة وغيره.

 مثلًا، قد تكون، أو تكونين لا فرق فعلًا، موظف يعمل ساعات طويلة في عمل يستهلك من روحك كما من جهدك الكثير لتعود منهكًا لمنزلك وتقضي بقية يومك في الإيفاء بمتطلبات أسرتك، أو قد تكونين طالبة أو أمًا وجدولك مليء بكل مهمة يمكن تخيلها من رعاية أطفالك للاهتمام بدروسك كما غيرها من متطلبات طبيعة حياتك ومرحلتك الحالية فيها وتتساءلين بشكلٍ مشروع:

“هل هناك من طريقة أتي فيها بالوقت والجهد الكافي لأعمل على حلمي الدفين في ظل هذه الظروف التي تآزرت مع بعضها لخلق واقعي المرير هذا؟”.

أستطيع ها هنا أن أسمع تساؤلكم الملح والواقعي والمنطقي حقيقةً وأنتم ترددون وأنتم ترمقوني بنظرة ساخطة إلى حدٍ ما:

 “حنان، كيف تتوقعين مني بالله عليكِ أن أستطيع مع كل مشاغل هذه الدنيا ومتطلباتها التي لا تنتهي أن أجلس وأنهي رواية ذات قيمة ومعنى حقيقي حتى ولو كانت هذه أعمق وأصدق رغبة شعرت بها منذ خلقت على ظهر هذه البسيطة؟! أأنتِ معنا في نفس هذا الكوكب أم أنكِ تعيشين في عالم (اللا لا لاند) الخاص بك؟”.

 وجوابي هو أنا اتفق معكم بكل صدق ومن تجربة شخصية وهذا ما دفعني حقيقةً لكتابة هذا المقال في المقام الأول، ولكن هلا اعرتوني بعضًا من وقتكم الثمين لأوضح لكم مقصدي. الآن، أدرك جيدًا بأن الحياة قاسية إلى حدٍ كبير وهي تعمل كمفرمة لأحلام الكثير من البشر بشكلٍ مرعب حيث لا ترقب فينا إلًا ولا ذمة، ولكن سؤالي ببساطة ما البديل إذًا؟ 

أأعيش حياتي وأنا امضي أيامي المعدودة فيها أسير كالنائم بلا إحساس ولا وعي بما حوله وقد خدرني ألم هذا الواقع لدرجة أن كل أملٍ لي فيها هو انتظار نهاية اليوم فقط لأعود لمنزلي وأختلي بنفسي بعيدًا كل البعد عن حياة لا تشبهني البتة ولم أكن أتخيلها في صغري لأسوأ أعدائي؟!

أأظل حبيسة عقلي وتخيل ماذا يمكن أن يسوء ويقف في طريق تحقيقي لحلمي بأن أصبح روائية حقيقة ذات أعمال منشورة سواءً بشكل متفرغ للكتابة أو كعمل جانبي أو إضافي دون حتى أن أنال شرف المحاولة؟ 

الإيمان بالنفس:

كل ما أرغب حقيقةً بقوله هو، أكتب…أكتب فقط ثم عد وأكتب أكثر وأكثر وأكثر حتى تشعر بأنك خالٍ تمامًا ويا له من شعورٍ عظيم أشار إليه الكاتب تود هنري في كتابه “مت فارغًا”. أنا لا أقول لك بأن تهمل واقعك وتنطلق في رحلة انتحارية نحو المجهول لا، فليس هذا ما قصدته البتة!

 كل ما أرغب بقوله وإيصاله لك أيضًا هو أن تظل تكتب وتتعلم وتحسن من جودة كتابتك مهما أخذت من الوقت لعمل ذلك حتى تنهي مسودتك الأولى ومن ثم، اعمل على مراجعتها وتحسينها بالطرق المتبعة، ومن ثم قم إن أمكن بالتعاون من محرر خاص في حال نشرك لأعمالك ذاتيًا أو قم بتجربة حظك حينما تشعر بأن روايتك جاهزة وأرسلها لدار نشر ذات صيت جيد ومعروفة بشكل معقول.

بمعنى أخر، خذ الموضوع خطوةً بخطوة من هنالك حتى تجد نفسك وقد أصبحت كاتبًا حقيقيًا ذا رواية منشورة وموجودة في المكتبات ومتوفرة للقراء.

أنا هنا أيضًا أحب أن أنوه بأن الموضوع غالبًا سيتطلب منك الكثير والكثير من الوقت كما أني مؤمنة تمامًا بأن لكل رواية تجربة كتابة مميزة خاصة بها ومن تجربتي الشخصية مثلًا أود أن تعرف بأني أمضيت حوالي ما يقارب الثمان سنوات لكتابة روايتي الأولى في حين كتبت الثانية في سنة تقريبًا بينما أنهيت مؤخرًا مسودة روايتي الثالثة التي بدأت فيها منذ ما يقارب العامين وواجهت فيها صعوبات عديدة لأكمل معظمها في أقل من شهر!

نصائح للطامحين:

نهايةً، الأمر يتطلب منك الإيمان بنفسك وهو شيء ليس لا باليسير ولا بالهين خصوصًا إن كان كل من تعرفه تقريبًا يعتقد بأنك شخص غير واقعي ومن الأفضل لك ترك هذه السخافات التي لا تسمن ولا تغني من جوع والتركيز على عملك الممل، الذي يستهلك منك بلا توقف والذي تكرهه غالبًا، ووضع روحك كما حلمك بأن تصبح روائيًا ذات يوم في صندوق حالك السواد وتلقي به بكل قوة في غياهب المجهول، ولكن، أهذه حياة فعلًا؟! أم أنه نوع من الموت البطيء مزين بزخارف الواقعية البغيضة؟!

أنا أعتبر الحياة كسباق ماراثون لا كسباق قصير والقرار لك يا صديقي، ولكن ها أنا ذا أحدثك وأنا لا زلت أجوب بحر الحياة القاسي ولا زلت متمسكة بحلمي منذ أكثر من عشر سنوات وأبذل كل جهدٍ ممكن لكي أصبح يوما ما كاتبة متفرغة بشكلٍ كامل وأسألك الآن ما خيارك؟

أتختار أن تعيش فيها وأنت تسير ولو بخطى بطيئة نحو حلمك أم ترضخ وتقبل بأغلال الواقع المفروضة عليك وتقبع تحتها بلا حراك حتى تنهي أيامك في هذه الدنيا وكأنك تنهي فترة محكومية شاقة لا عيش حياة ائتمنك عليها الخالق ووهبك إياها بكل حب!

القرار لك…

دمتم بود،

حنان.


مقالات مشابهة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *